- ღ..RAN MORI..ღمحقق مميز
- آلجنسَ :
مسآهمآتي : 1327
تَقييـَمي : 27
بلدًي : القصيم ياعيني عليها
سر الخلود في شعر المتنبي
الخميس أبريل 12, 2012 2:51 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
المتنبي شاعر عظيم خلد الإبداع اسمه على مر العصور فحيث ذكر فحول الشعراء وروائع الأبيات تطاير إلى السمع وجال بالخاطر ذلك العبقري الخالد أبو الطيب المتنبي .
ليس غريبا على أبي الطيب أن يقع هذه المكانة السامية بين نوابغ الشعر وفحوله في القديم والحديث ولا أن يتفرد بالرئاسة ذلك لأنه رزق قريحة وعبقرية ونبوغا قل أن يتهيأ لمن قبله فضلا أن يقع نظيره لمن بعده مما جعله طرازا فريدا وجيلا كاملا من التميز والإبداع وإحكام الصنعة والتفنن الذي لا يضاهى فيه وهو ما حدا بابن رشيق القيرواني إلى أن يقول فيه عبارته الشهيرة " ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس " مع أنه ذكر قبلها عن أبي تمام والبحتري أنهما أخمدا ذكر خمسمائة شاعر كلهم مجيد وذكر قريبا منه الجرجاني في الوساطة .
تميز المتنبي بالعلم فكان من علماء العربية كما ذكر ذلك مترجموه وهذا ما حدا ابن جني للعناية بشعره والتعصب في دفاعه عنه وصار في الطبقة الأولى من رواة شعره وتميز أيضا بالهمة العالية والطموح الكبير كما أنه عاش حياته على شعره يقتات منه ويتكسب عليه وكان فضل شعره على غيره أعظم من فضله عليه إذ قتله شعره وأما المذكورون في شعره فبات الناس يعرفون سيف الدولة وكافورا وضبة وفاتكاً الأسدي وغيرهم لأن المتنبي خلدهم في شعره بقصائده فيهم وحتى ما حفظه ديوانه من الهجاء كان عظيم الأثر في أولئك الذين هجاهم أبو الطيب فبقيت أسماءهم ليقرأ الناس فيما بعد سيرهم ويصححوا الصورة القاتمة التي صورهم فيها المتنبي كما هو الحال في الأستاذ كافور حين هجاه المتنبي خسة ولؤما حسب تعبير الذهبي .
لم يكن المتنبي يصلح لشيء إلا للشعر فحياته الشعر وقوته الشعر وحتى موته فقد كان بسبب الشعر فهو صنيعة شعره وقتيله في آن واحد وهذا دليل على تفرد هذا الرجل في باب الشعر الذي ملك عليه حياته في جده وهزله وطربه وحزنه وكأن موعده مع المجد والعلياء إنما كان على صهوة الشعر لا غيره ولو أنه دخل في شيء من المناصب التي كان يطمح لها لانصرف عن الشعر وتجويده انشغالا بذلك المنصب .
اختلف النقاد والمؤرخون كثيرا في حياة أبي الطيب العاطفية وهل كان عاشقا أو محبا خاصة وأن شعره في الأغلب مشوب بالجفاف العاطفي والسائر من شعره في باب الغزل والنسيب قليل جدا إذا ما قيس بشعره في المدح والحماسة والفخر والرثاء والهجاء ويمكن التأكد من ذلك بمراجعة مختارات البارودي وغيرها ولمحمود شاكر كلام فريد في بابه عن حياة المتنبي العاطفية أورده في بحثه المطول عن المتنبي والذي طبع فيما بعد كتابا حافلا مملوءا بنفس الباحث المتمكن وحاز عليه جائزة الملك فيصل في الأدب .
كان المتنبي كحال أغلب العظماء نابغا في حياته حتى في أوساط خصومه فهذا ابن خالويه وهو عصريه ومن كبار مناوئيه يذكر في ترجمته لولدي سيف الدولة : أبي المكارم وأبي المعالي أنهما كانا يحفظان من شعر الشاعر المعروف بالمتنبي كذا وكذا قصيدة وقام بتعيينيها بأسمائها ولم يذكر أنهما يحفظان لغيره من العصريين شيئا وبالرغم من العصبية الكبيرة التي كان يبديها ابن خالويه ضد المتنبي إلا أنه لم يقدر على كتمان هذا الأمر كما أن ابن العميد كان في حالة من السخط والازدراء للمتنبي وعندما مات له قريب وصلته رسائل التعازي وكان ما يزيد على خمسين رسالة منها مبدوءة بشعر للمتنبي في رثاء خولة أخت سيف الدولة يقول فيه :
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر .... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ..... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
فأقر حينها ابن العميد أن هذا الرجل قد بلغ مبلغا عظيما لا يمكن معه التصدي له .
اختلف النقاد قديما وحديثا في المتنبي وفي درجة شعره فتعصب له الأكثرون كابن جني والمعري وتحاماه بعضهم ووقفوا ضده فاتهموه بالسرقة كما فعل ابن وكيع في المنصف وحطوا عليه كثيرا والحق أن المتنبي شاعر عبقري في طبعه يكتب فيبدع حين تكون قريحته متهيئة للإبداع وخلق الفكرة وتارة تضعف قريحته فينحدر بشعره إلى الحضيض وهذا هو شأن العباقرة ليسوا على درجة واحدة من الكمال في الإنتاج وهو الفرق بين الشاعر المطبوع والشاعر المصنوع فالمطبوع يجري الشعر على لسانه جري الماء في الوادي فيقع شعره في الغالب درجة واحدة من السهولة واليسر وأما المصنوع فهو الذي يستخرج المعاني والألفاظ في الشعر وينقب عنها تنقيبا .
وأحسن وصف لشعر أبي الطيب هو ما قاله ابن العديم : وكان أبو الطيب شاعرا مشهورا مذكورا محظوظا من الملوك والكبراء الذين عاصرهم والجيد في شعره لا يجارى فيه ولا يلحق والرديء منه في نهاية الرداءة والسقوط .
كما أن الناقد الأديب والكاتب الفذ القاضي الجرجاني له كتاب بلغ به الغاية في الجودة أسماه بالوساطة بين المتنبي وخصومه أتى فيه على شعر المتنبي والجدل الدائر حوله وأنصفه فيه إنصافا لا يبلغه فيه أحد وجمع فيه مع العلم بالنقد والمعاني لغة راقية وأسلوبا جزلا يعين على التعلم والاحتذاء .
هناك جانب مهم في خلود شعر أبي الطيب غفل عنه الكثير من مترجميه ذلكم هو خصومه وعداواته والحرب التي وقعت حوله وحول شعره ولم تكن هذه الحرب لولا براعته في نفس الأمر إلا أنها ترسخ التقدم وتصنع المجد لأن قد يكون الشخص مجيدا بارعا ولكن لا يتهيأ له أن يدور السجال حوله وحول فكره فيخمل ذكره ويذوي أثره أما من رزق المداولات حول فكره وذاته وبرز خصومه إلى ميدان النقد والتحامل مع قوّة قريحته وإحكام نتاجه فهذا قد رزق أعظم أسباب الخلود فلن ينفك في ذكره خصومه ومحبوه على السواء واعتبر ذلك في غير المتنبي تجده واضحا أتم الوضوح كما هو حال أحمد بن حنبل وابن حزم والمعري وأبي حيان التوحيدي والشاطبي وابن مالك النحوي وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والرافعي والعقاد وطه حسين وغيرهم فأعظم هبة يسديها إليك الخصوم والمناوئون أنهم يصنعونك ويهيئونك للمجد والعلياء دون وعي أو شعور منهم وهذا ما جعل أبا الطيب يُطفئ شموس كثير من الشعراء الذين لا يقلون عنه براعة ونبوغا كأبي تمام والبحتري والشريف الرضي وأبي العلاء وابن هانئ الأندلسي .
كان لأستاذنا الكبير علي الطنطاوي رحمه الله رأي في أبي تمام حيث كان يفضله في شعره على شعر أبي الطيب المتنبي وأنا ميال إلى رأي أستاذنا فأبو تمام شاعر عظيم فتح الباب لمن بعده وقد أغار المتنبي على كثير من شعره وحاذاه وحاكاه وسرق منه بل كان يصحب معه ديوان أبي تمام في سفره وحضره ولكن السعادة والخلود أقدار مقسومة فلم يجر من شعر أبي تمام في مجموعه ما يوازي مجموع أبيات قصيدة واحدة للمتنبي ويبقى المتنبي ذلك الشاعر الثائر الذي أعاد الناس إلى دوحة الشعر بعد أن نفروا منه إلى سطور النثر ومجالس المناظرات وأسفار الأخبار .
إذا أردت أن تعرف المزيد عن المتنبي فإن هناك الكثير من الكتب التي قيدت حياته ودرست شعره كما فعل الجرجاني في الوساطة بين المتنبي وخصومه وكتب عنه ابن وكيع كتابا أسماه المنصف لكنه لم ينصف فيه المتنبي وكان شديد التحامل عليه وقام المعري بشرح شعره وهو مطبوع في أربعة مجلدات وجود المقريزي ترجمته في كتابه المقفى الكبير ومن المعاصرين كتب عنه محمود شاكر كتابا حافلا ضخما اسمه المتنبي وكتب عنه طه حسين مع المتنبي وللدكتور عبد الوهاب عزام ذكرى أبي الطيب وللميمني زيادات شعر المتنبي وغيرها من الدراسات والكتب والبحوث التي تحتاج إلى رصد ببلوغرافي خاص بها لكثرتها .
ومن مفاريده الخالدة :
وأسمع من ألفاظه اللغة التي ..... يلذ بها سمعي وإن ضُمنت شتمي
لا يُعجبن مضيماً حسن بزته ..... وهل تروق دفينا جودة الكفن
قد كنت أشفق من دمعي على بصري ..... فاليوم كل عزيز بعدكم هانا
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ..... عدوا له ما من صداقته بد
نحن بنو الموتى فما بالنا ..... نعاف ما لا بد من شربه
الحب ما منع الكلام الألسنا ..... وألذ شكوى عاشق ما أعلنا
وكم من عائب قول صحيحا ..... وآفته من الفهم السقيم
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ..... أن لا تفارقهم فالراحلون هم
يا من يعز علينا أن نفارقكم ..... وجداننا كل شيء بعدكم عدم
إن كان سركم ما قد قال حاسدنا ..... فما لجرح إذا أرضاكم ألم
المتنبي شاعر عظيم خلد الإبداع اسمه على مر العصور فحيث ذكر فحول الشعراء وروائع الأبيات تطاير إلى السمع وجال بالخاطر ذلك العبقري الخالد أبو الطيب المتنبي .
ليس غريبا على أبي الطيب أن يقع هذه المكانة السامية بين نوابغ الشعر وفحوله في القديم والحديث ولا أن يتفرد بالرئاسة ذلك لأنه رزق قريحة وعبقرية ونبوغا قل أن يتهيأ لمن قبله فضلا أن يقع نظيره لمن بعده مما جعله طرازا فريدا وجيلا كاملا من التميز والإبداع وإحكام الصنعة والتفنن الذي لا يضاهى فيه وهو ما حدا بابن رشيق القيرواني إلى أن يقول فيه عبارته الشهيرة " ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس " مع أنه ذكر قبلها عن أبي تمام والبحتري أنهما أخمدا ذكر خمسمائة شاعر كلهم مجيد وذكر قريبا منه الجرجاني في الوساطة .
تميز المتنبي بالعلم فكان من علماء العربية كما ذكر ذلك مترجموه وهذا ما حدا ابن جني للعناية بشعره والتعصب في دفاعه عنه وصار في الطبقة الأولى من رواة شعره وتميز أيضا بالهمة العالية والطموح الكبير كما أنه عاش حياته على شعره يقتات منه ويتكسب عليه وكان فضل شعره على غيره أعظم من فضله عليه إذ قتله شعره وأما المذكورون في شعره فبات الناس يعرفون سيف الدولة وكافورا وضبة وفاتكاً الأسدي وغيرهم لأن المتنبي خلدهم في شعره بقصائده فيهم وحتى ما حفظه ديوانه من الهجاء كان عظيم الأثر في أولئك الذين هجاهم أبو الطيب فبقيت أسماءهم ليقرأ الناس فيما بعد سيرهم ويصححوا الصورة القاتمة التي صورهم فيها المتنبي كما هو الحال في الأستاذ كافور حين هجاه المتنبي خسة ولؤما حسب تعبير الذهبي .
لم يكن المتنبي يصلح لشيء إلا للشعر فحياته الشعر وقوته الشعر وحتى موته فقد كان بسبب الشعر فهو صنيعة شعره وقتيله في آن واحد وهذا دليل على تفرد هذا الرجل في باب الشعر الذي ملك عليه حياته في جده وهزله وطربه وحزنه وكأن موعده مع المجد والعلياء إنما كان على صهوة الشعر لا غيره ولو أنه دخل في شيء من المناصب التي كان يطمح لها لانصرف عن الشعر وتجويده انشغالا بذلك المنصب .
اختلف النقاد والمؤرخون كثيرا في حياة أبي الطيب العاطفية وهل كان عاشقا أو محبا خاصة وأن شعره في الأغلب مشوب بالجفاف العاطفي والسائر من شعره في باب الغزل والنسيب قليل جدا إذا ما قيس بشعره في المدح والحماسة والفخر والرثاء والهجاء ويمكن التأكد من ذلك بمراجعة مختارات البارودي وغيرها ولمحمود شاكر كلام فريد في بابه عن حياة المتنبي العاطفية أورده في بحثه المطول عن المتنبي والذي طبع فيما بعد كتابا حافلا مملوءا بنفس الباحث المتمكن وحاز عليه جائزة الملك فيصل في الأدب .
كان المتنبي كحال أغلب العظماء نابغا في حياته حتى في أوساط خصومه فهذا ابن خالويه وهو عصريه ومن كبار مناوئيه يذكر في ترجمته لولدي سيف الدولة : أبي المكارم وأبي المعالي أنهما كانا يحفظان من شعر الشاعر المعروف بالمتنبي كذا وكذا قصيدة وقام بتعيينيها بأسمائها ولم يذكر أنهما يحفظان لغيره من العصريين شيئا وبالرغم من العصبية الكبيرة التي كان يبديها ابن خالويه ضد المتنبي إلا أنه لم يقدر على كتمان هذا الأمر كما أن ابن العميد كان في حالة من السخط والازدراء للمتنبي وعندما مات له قريب وصلته رسائل التعازي وكان ما يزيد على خمسين رسالة منها مبدوءة بشعر للمتنبي في رثاء خولة أخت سيف الدولة يقول فيه :
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر .... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ..... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
فأقر حينها ابن العميد أن هذا الرجل قد بلغ مبلغا عظيما لا يمكن معه التصدي له .
اختلف النقاد قديما وحديثا في المتنبي وفي درجة شعره فتعصب له الأكثرون كابن جني والمعري وتحاماه بعضهم ووقفوا ضده فاتهموه بالسرقة كما فعل ابن وكيع في المنصف وحطوا عليه كثيرا والحق أن المتنبي شاعر عبقري في طبعه يكتب فيبدع حين تكون قريحته متهيئة للإبداع وخلق الفكرة وتارة تضعف قريحته فينحدر بشعره إلى الحضيض وهذا هو شأن العباقرة ليسوا على درجة واحدة من الكمال في الإنتاج وهو الفرق بين الشاعر المطبوع والشاعر المصنوع فالمطبوع يجري الشعر على لسانه جري الماء في الوادي فيقع شعره في الغالب درجة واحدة من السهولة واليسر وأما المصنوع فهو الذي يستخرج المعاني والألفاظ في الشعر وينقب عنها تنقيبا .
وأحسن وصف لشعر أبي الطيب هو ما قاله ابن العديم : وكان أبو الطيب شاعرا مشهورا مذكورا محظوظا من الملوك والكبراء الذين عاصرهم والجيد في شعره لا يجارى فيه ولا يلحق والرديء منه في نهاية الرداءة والسقوط .
كما أن الناقد الأديب والكاتب الفذ القاضي الجرجاني له كتاب بلغ به الغاية في الجودة أسماه بالوساطة بين المتنبي وخصومه أتى فيه على شعر المتنبي والجدل الدائر حوله وأنصفه فيه إنصافا لا يبلغه فيه أحد وجمع فيه مع العلم بالنقد والمعاني لغة راقية وأسلوبا جزلا يعين على التعلم والاحتذاء .
هناك جانب مهم في خلود شعر أبي الطيب غفل عنه الكثير من مترجميه ذلكم هو خصومه وعداواته والحرب التي وقعت حوله وحول شعره ولم تكن هذه الحرب لولا براعته في نفس الأمر إلا أنها ترسخ التقدم وتصنع المجد لأن قد يكون الشخص مجيدا بارعا ولكن لا يتهيأ له أن يدور السجال حوله وحول فكره فيخمل ذكره ويذوي أثره أما من رزق المداولات حول فكره وذاته وبرز خصومه إلى ميدان النقد والتحامل مع قوّة قريحته وإحكام نتاجه فهذا قد رزق أعظم أسباب الخلود فلن ينفك في ذكره خصومه ومحبوه على السواء واعتبر ذلك في غير المتنبي تجده واضحا أتم الوضوح كما هو حال أحمد بن حنبل وابن حزم والمعري وأبي حيان التوحيدي والشاطبي وابن مالك النحوي وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والرافعي والعقاد وطه حسين وغيرهم فأعظم هبة يسديها إليك الخصوم والمناوئون أنهم يصنعونك ويهيئونك للمجد والعلياء دون وعي أو شعور منهم وهذا ما جعل أبا الطيب يُطفئ شموس كثير من الشعراء الذين لا يقلون عنه براعة ونبوغا كأبي تمام والبحتري والشريف الرضي وأبي العلاء وابن هانئ الأندلسي .
كان لأستاذنا الكبير علي الطنطاوي رحمه الله رأي في أبي تمام حيث كان يفضله في شعره على شعر أبي الطيب المتنبي وأنا ميال إلى رأي أستاذنا فأبو تمام شاعر عظيم فتح الباب لمن بعده وقد أغار المتنبي على كثير من شعره وحاذاه وحاكاه وسرق منه بل كان يصحب معه ديوان أبي تمام في سفره وحضره ولكن السعادة والخلود أقدار مقسومة فلم يجر من شعر أبي تمام في مجموعه ما يوازي مجموع أبيات قصيدة واحدة للمتنبي ويبقى المتنبي ذلك الشاعر الثائر الذي أعاد الناس إلى دوحة الشعر بعد أن نفروا منه إلى سطور النثر ومجالس المناظرات وأسفار الأخبار .
إذا أردت أن تعرف المزيد عن المتنبي فإن هناك الكثير من الكتب التي قيدت حياته ودرست شعره كما فعل الجرجاني في الوساطة بين المتنبي وخصومه وكتب عنه ابن وكيع كتابا أسماه المنصف لكنه لم ينصف فيه المتنبي وكان شديد التحامل عليه وقام المعري بشرح شعره وهو مطبوع في أربعة مجلدات وجود المقريزي ترجمته في كتابه المقفى الكبير ومن المعاصرين كتب عنه محمود شاكر كتابا حافلا ضخما اسمه المتنبي وكتب عنه طه حسين مع المتنبي وللدكتور عبد الوهاب عزام ذكرى أبي الطيب وللميمني زيادات شعر المتنبي وغيرها من الدراسات والكتب والبحوث التي تحتاج إلى رصد ببلوغرافي خاص بها لكثرتها .
ومن مفاريده الخالدة :
وأسمع من ألفاظه اللغة التي ..... يلذ بها سمعي وإن ضُمنت شتمي
لا يُعجبن مضيماً حسن بزته ..... وهل تروق دفينا جودة الكفن
قد كنت أشفق من دمعي على بصري ..... فاليوم كل عزيز بعدكم هانا
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ..... عدوا له ما من صداقته بد
نحن بنو الموتى فما بالنا ..... نعاف ما لا بد من شربه
الحب ما منع الكلام الألسنا ..... وألذ شكوى عاشق ما أعلنا
وكم من عائب قول صحيحا ..... وآفته من الفهم السقيم
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ..... أن لا تفارقهم فالراحلون هم
يا من يعز علينا أن نفارقكم ..... وجداننا كل شيء بعدكم عدم
إن كان سركم ما قد قال حاسدنا ..... فما لجرح إذا أرضاكم ألم
- ღ..RAN MORI..ღمحقق مميز
- آلجنسَ :
مسآهمآتي : 1327
تَقييـَمي : 27
بلدًي : القصيم ياعيني عليها
رد: سر الخلود في شعر المتنبي
الخميس أبريل 12, 2012 2:54 am
قضيّةُ التحاسدِ الواقعةِ بينَ أبي الطيّبِ وخصومهِ منها قدرٌ مُتّفقٌ عليهِ ، وهو أنَّ الرجلَ وجدَ من يُنابذهُ العِداءَ ويحسدهُ ويبحثُ عن زللهِ ، وقد ذكرَ ابنُ خنزابةَ أنّهُ رجعَ إلى خمسينَ كتاباً ليبحثَ فيها عن سرقةِ أبي الطيّبِ لأحدِ الأبياتِ فما وجدَ لها أثراً ، فقضى لهُ حينها بابتكارِ المعنى وتوليدهِ ، لا جرمَ أنّهُ كانَ محسوداً وقد حفِظتْ لنا كُتبُ التراجمِ أناساً نافسوهُ كما هو حالُ ابنِ خالويه وابن خنزابة وابن وكيع ، ومنهم من رأى نفسهُ أعلى قدراً من أبي الطيّبِ وأسمى درجةً ، وهذا قد لا يُسمّى حسداً بالمعنى الدقيقِ ، كما هو حالُ ابنِ العميدِ وأبي فراسٍ وغيرهم ، فهؤلاءِ كانوا بمنزلةٍ كبيرةٍ ومقامٍ عالٍ ، وكانوا في عامّةِ حالِهم على ازدراءٍ بالنّاسِ وطعنٍ فيهم ، كما هي حالِ أبي الطيّبِ في نفسهِ .
إذن نتّفقُ على قدرٍ أوّليٍّ من الحسدِ وقعَ لهذا العبقريِّ الفذِّ .
تبقى القضيّةُ الأخرى : هل كانَ الرّجلُ محسوداً بهذه الطريقةِ التي يصوّرها هو للقارئ ؟ ، أظنَّ هذه القضيّةَ ليستْ سوى إسقاطٍ نفسيٍّ من أبي الطيّبِ ، وذلك أنَّ القارئ لشعرهِ والنّاظرَ في خصائصهِ النفسيّةِ تحديداً يجدُ أنَّ على درجةٍ تصاعديّةٍ من ابتداءِ قرضهِ للشعرِ وحتّى كهولتهِ في ازدراءِ النّاسِ ، ومقتِهم ، والشعورِ بالنّقصِ الذي ولّدَ فوقيّةً مقيتةً ضربتْ أطنابها في الكثيرِ من قصائدهِ ، وكانَ يرى أنَّ الناس تتقصّده بالأذيةِ والدسائسِ ، ممّا أدّاهُ إلى ازدراءٍ للنّاسِ واحتقارٍ لهم ، وقد كمن ذلك في ثنايا نفسهِ وتفجّرَ لا شعوريّاً في شعرهِ ، ومنها قصائدُ قالَ في صباهُ ، كما في قولهِ :
كم قتيلٍ كما قُتلتُ شهيدِ ........ لبياضِ الطُّلى ووردِ الخدودِ
لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي ..... وبنفسي فخرتُ لا بجدودي
إن أكن معجباً فعُجبُ عجيبٍ ...... لم يجدْ فوقَ نفسهِ من مزيدِ
ما مُقامي بأرضِ نخلةَ إلا ....... مقامُ المسيحِ بينَ اليهودِ !
أنا في أمّةٍ تداركها اللهُ ...... غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ
وقولهِ - وهي في صباهُ أيضاً - :
أيَّ محلٍ أرتقي ....... أيَّ عظيمٍ أتقي
وكلُّ ما قد خلقَ اللهُ .... وما لم يخلقِ
مُحتقرٌ في همّتي ..... كشعرةٍ في مفرقي
وقولهِ - وهي في صباهُ كذلكَ - :
ويجهلُ أنّي مالكَ الأرضِ مُعسرٌ ...... وأنّي على ظهرِ السماكينِ راجلُ
وما زلتُ طوداً لا تزولُ مناكبي ...... إلى أن بدتْ للضيمِ فيَّ زلازلُ
وغيرُ ذلكَ من القصائدِ والمقطوعاتِ التي قالها في صباهُ ، واستمرَّ فيها يتصاعدُ في أزمتهِ النفسيّةِ وشعورهِ بالاستعلاءِ والاستطالةِ والتنقّصُ ، بل والحقدِ الفظيعِ على الآخرينَ ، وهذه الكراهيةُ للنّاسِ وتنقّصهم لها أسبابٌ موضوعيّةُ في سيرةِ أبي الطيّبِ ، إلا أنَّ ما نفخَ أوارها وزادها هو أبو الطيّبِ نفسهُ ، فصوّرَ العالمَ من خلالِها شرّاً والنّاسَ بهماً ، وهكذا ، وهذا الأمرُ هو ما حدا الكثيرينَ إلى التنكّبِ عن طريقهِ ومنابذتهِ العداءَ ، وهو ما يُفكّكُ لنا سرَّ الاستطالةِ الكامنةِ في شعرهِ ، وكذلكَ سرَّ المُجافاةِ لهُ من قِبلِ الكثيرِ ، وبعضُهم من ذوي الشرفِ والنباهةِ ، كما هو حالُ أبي فراسٍ وكافورَ وغيرهم .
- الغموضُ في سيرةِ أبي الطيّبِ أمرٌ مرجعهُ أبو الطيّبِ نفسهُ ، فقد كانَ يُضمرُ مطالبهُ ويُضمرُ الكثيرَ من سيرةِ حياتهِ ولا يكادُ يذكرُ من ذلكَ شيئاً !! ، وفي العديدِ من التراجمِ - كما عند ابنِ النديمِ في بغيةِ الطلبِ - أنّهُ كان لا يذكرُ نسبهُ ولا يُعرّفُ بنفسهِ ، ويتحاشى ذلكَ ! ، وهذا لهُ أسبابهُ التي ذكرها المؤرخونَ والنقّادُ .
وفي الجملةِ فإنَّ غموضَ السيرةِ ليستْ بما يُحتفلُ بهِ ، بل هي للمذمّةِ أقربُ منها للمدحِ ، ولو ثبتَ أنَّ حياةَ أبا الطيّبِ كانتْ بمثلِ هذا الغموضِ الذي يُشيعهُ بعضِ مترجميهِ ، فالرّجلُ إذن من العبقريّةِ بمكانٍ عظيمٍ ، أن تخطّى كلِّ هذه العوائقِ حتّى ثبتَ ثباتَ الأبطالِ ، على أنّهُ لا جِدالَ ولا مِراءَ في هذا الأمرِ - أعني عبقريّتهِ ونبوغهِ - ، وللمعلوميّةِ فإنَّ سيرةَ أبي تمّامٍ ومن قبلهِ ابنَ المقفّعِ وغيرهم قد قوبلتْ بنظيرِ ما قوبلتْ بهِ سيرةُ أبي الطيّبِ من الغموضِ والتشكيكِ والنّقاشِ ، وليسو أقلَّ منهُ في هذا شأناً .
- التعقيدُ في شعرِ أبي تمّامٍ موجودٌ ، كما أنَّ أبا الطيّبِ في هذا لهُ نصيبٌ وافرٌ وكبيرٌ ، ومدرسةُ أبي الطيّبِ في التركيبِ وتوليدِ المعاني وصناعةِ اللفظِ هي مدرسةُ أبي تمّامٍ ، ولو كانَ أبو تمّامٍ يستحقُّ المؤاخذةَ على ساقطِ شعرهِ ، أو أن يُغضَّ من قدرهِ لبعضِ التكلّفِ الحاصلِ فيهِ ، فإنَّ أبا الطيّبِ في هذا لا يقلُّ عنهُ ، بل إنَّ الساقطَ في شعرِ أبي الطيّبِ والمعاني المبتذلةِ أحياناً تُشعرُ القارئ بالنفورِ الشديدِ ، وقد جمعَ ذلكَ الجرجانيُّ وابنُ الأثيرِ وغيرُهم .
لقد كانَ أبا تمّامٍ شاعراً عظيماً ، أبدعَ وابتكرَ المعاني وأحسنَ في صنعةِ اللفظِ وجلبِ المُحسناتِ البديعيّةِ الرائقةِ ، ويكفيهِ فخراً أنّهُ أخمدَ في زمانهِ 500 شاعرٍ مُجيدٍ ، وهو القائلُ :
بيُمنِ أبي إسحاقَ طالتْ يدُ الهُدى ...... وقامتْ قناةُ الدينِ واشتدَّ كاهلهْ
هو البحرُ من أيِّ النّواحي أتيتهُ ...... فلُجّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلهْ
تعوّدَ بسطَ الكفِّ حتى لو انّهُ ..... دعاها لقبضٍ لم تُطعْهُ أناملهْ
وقولهُ :
فإن يكنْ وصبٌ قاسيتَ سورتهُ ..... فالوِردُ حلفٌ لليثِ الغابةِ الأضمِ
إنَّ الرّياحَ إذا ما أعصفتْ قصفتْ ..... عيدانَ نجدٍ ولم يعبأنَ بالرتمِ
بناتُ نعشٍ ونعشٌ لا كسوفَ لها ..... والشمسُ والبدرُ منها الدهرُ في الرقمِ
فلْيهنكَ الأجرُ والنّعمى التي سبغتْ ..... حتّى جلتْ صدأ الصّمصامةِ الخذمِ
قد يُنعمُ اللهُ بالبلوى وإن عظمتْ ...... ويبتلي اللهُ بعضَ القومِ بالنِّعمِ
وقولهُ :
يا أيّها الملكُ النّائي برؤيتهِ ..... وجودهُ لمُراعي جودهِ كثبُ
ليسَ الحِجابُ بمُقصٍ عنكَ لي أملاً ...... إنَّ السماءَ تُرجّي حينَ تحتجبُ
وقولهُ :
وإذا أرادَ اللهُ نشرَ فضيلةٍ ..... طويتْ أتاحَ لها لِسانَ حسودِ
لولا اشتعالُ النّارِ فيما جاورتْ ..... ما كانَ يُعرفُ طيبُ عرفِ العودِ
وقولهُ : أقولُ وقد قالوا استراحتْ لموتِها ..... من الكربِ ، روحُ الموتِ شرٌّ من الكربِ
لقد نزلتْ ضنكاً من اللحدِ والثرى ...... ولو كانَ رحبَ الذراعِ ما كانَ بالّرحبِ
وكنتُ أرجّي القربَ وهي بعيدةٌ ..... فقد نُقلتْ بعدي عن القربِ والبعدِ
لها منزلٌ تحتَ الثرى وعهِدتها ..... لها منزلٌ بينَ الجوانحِ والقلبِ
وغيرها الكثير والكثيرُ جداً ، حتّى قالَ عنهُ ابنُ الأثيرِ : ولم يوجدْ في متأخّري الشعراءِ من يقعُ موقعَ أبي تمّامٍ في توليد المعاني وابتكارِها وتفرّدهِ في ذلكَ ، وفي ترجمةِ المُتنبّي أنّهُ كانَ يُسافرُ ومعه ديوانا أبي تمّامٍ والبُحتري ، فأخذَ منهما كثيراً ، حتّى إنَّ أبا العلاءِ حينَ سُئلَ عن الشعراءِ الثلاثةِ قالَ : أبو تمّامٍ والمُتنبّي حكيمانِ ، وإنّما الشاعرُ البُحتريُّ .
ولو أردتَ الوقوفَ على ما يُعابُ بهِ شعرُ أبي الطيّبِ فنظرْ في الوساطةِ وفي المثلِ السائرِ ، لترى كم كانَ عصيّاً في الصياغةِ عسِراً في التوليدِ مُتكلّفاً في الصنعةِ ، وهو حالٌ تعتريهِ كما يعتريهُ الرشاقةُ والعذوبةُ ، وعلى كلِّ الأحوالِ فهما على نبوغِهما سقطا في التكلّفِ والتقعّرِ والمعاضلةِ ، وذكرَ ابنُ الأثيرِ أنَّ المعاضلةِ كثيرةٌ جداً في شعرِ أبي الطيّبِ ، وهذا بلا شكِّ من العيوبِ في الشعرِ .
لعلَّ لي عودةً فيما بعدُ لمواصلةِ الحديثِ عن بعضِ ما تضمّنهُ كلامُ أخينا الغيمِ ، والمعذرة على ما بها من خطأ وتصحيفٍ - إن وجدَ - فلا وقتَ عندي الآن لمراجعتِها .
...........
اتمنى يعجبكم
إذن نتّفقُ على قدرٍ أوّليٍّ من الحسدِ وقعَ لهذا العبقريِّ الفذِّ .
تبقى القضيّةُ الأخرى : هل كانَ الرّجلُ محسوداً بهذه الطريقةِ التي يصوّرها هو للقارئ ؟ ، أظنَّ هذه القضيّةَ ليستْ سوى إسقاطٍ نفسيٍّ من أبي الطيّبِ ، وذلك أنَّ القارئ لشعرهِ والنّاظرَ في خصائصهِ النفسيّةِ تحديداً يجدُ أنَّ على درجةٍ تصاعديّةٍ من ابتداءِ قرضهِ للشعرِ وحتّى كهولتهِ في ازدراءِ النّاسِ ، ومقتِهم ، والشعورِ بالنّقصِ الذي ولّدَ فوقيّةً مقيتةً ضربتْ أطنابها في الكثيرِ من قصائدهِ ، وكانَ يرى أنَّ الناس تتقصّده بالأذيةِ والدسائسِ ، ممّا أدّاهُ إلى ازدراءٍ للنّاسِ واحتقارٍ لهم ، وقد كمن ذلك في ثنايا نفسهِ وتفجّرَ لا شعوريّاً في شعرهِ ، ومنها قصائدُ قالَ في صباهُ ، كما في قولهِ :
كم قتيلٍ كما قُتلتُ شهيدِ ........ لبياضِ الطُّلى ووردِ الخدودِ
لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي ..... وبنفسي فخرتُ لا بجدودي
إن أكن معجباً فعُجبُ عجيبٍ ...... لم يجدْ فوقَ نفسهِ من مزيدِ
ما مُقامي بأرضِ نخلةَ إلا ....... مقامُ المسيحِ بينَ اليهودِ !
أنا في أمّةٍ تداركها اللهُ ...... غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ
وقولهِ - وهي في صباهُ أيضاً - :
أيَّ محلٍ أرتقي ....... أيَّ عظيمٍ أتقي
وكلُّ ما قد خلقَ اللهُ .... وما لم يخلقِ
مُحتقرٌ في همّتي ..... كشعرةٍ في مفرقي
وقولهِ - وهي في صباهُ كذلكَ - :
ويجهلُ أنّي مالكَ الأرضِ مُعسرٌ ...... وأنّي على ظهرِ السماكينِ راجلُ
وما زلتُ طوداً لا تزولُ مناكبي ...... إلى أن بدتْ للضيمِ فيَّ زلازلُ
وغيرُ ذلكَ من القصائدِ والمقطوعاتِ التي قالها في صباهُ ، واستمرَّ فيها يتصاعدُ في أزمتهِ النفسيّةِ وشعورهِ بالاستعلاءِ والاستطالةِ والتنقّصُ ، بل والحقدِ الفظيعِ على الآخرينَ ، وهذه الكراهيةُ للنّاسِ وتنقّصهم لها أسبابٌ موضوعيّةُ في سيرةِ أبي الطيّبِ ، إلا أنَّ ما نفخَ أوارها وزادها هو أبو الطيّبِ نفسهُ ، فصوّرَ العالمَ من خلالِها شرّاً والنّاسَ بهماً ، وهكذا ، وهذا الأمرُ هو ما حدا الكثيرينَ إلى التنكّبِ عن طريقهِ ومنابذتهِ العداءَ ، وهو ما يُفكّكُ لنا سرَّ الاستطالةِ الكامنةِ في شعرهِ ، وكذلكَ سرَّ المُجافاةِ لهُ من قِبلِ الكثيرِ ، وبعضُهم من ذوي الشرفِ والنباهةِ ، كما هو حالُ أبي فراسٍ وكافورَ وغيرهم .
- الغموضُ في سيرةِ أبي الطيّبِ أمرٌ مرجعهُ أبو الطيّبِ نفسهُ ، فقد كانَ يُضمرُ مطالبهُ ويُضمرُ الكثيرَ من سيرةِ حياتهِ ولا يكادُ يذكرُ من ذلكَ شيئاً !! ، وفي العديدِ من التراجمِ - كما عند ابنِ النديمِ في بغيةِ الطلبِ - أنّهُ كان لا يذكرُ نسبهُ ولا يُعرّفُ بنفسهِ ، ويتحاشى ذلكَ ! ، وهذا لهُ أسبابهُ التي ذكرها المؤرخونَ والنقّادُ .
وفي الجملةِ فإنَّ غموضَ السيرةِ ليستْ بما يُحتفلُ بهِ ، بل هي للمذمّةِ أقربُ منها للمدحِ ، ولو ثبتَ أنَّ حياةَ أبا الطيّبِ كانتْ بمثلِ هذا الغموضِ الذي يُشيعهُ بعضِ مترجميهِ ، فالرّجلُ إذن من العبقريّةِ بمكانٍ عظيمٍ ، أن تخطّى كلِّ هذه العوائقِ حتّى ثبتَ ثباتَ الأبطالِ ، على أنّهُ لا جِدالَ ولا مِراءَ في هذا الأمرِ - أعني عبقريّتهِ ونبوغهِ - ، وللمعلوميّةِ فإنَّ سيرةَ أبي تمّامٍ ومن قبلهِ ابنَ المقفّعِ وغيرهم قد قوبلتْ بنظيرِ ما قوبلتْ بهِ سيرةُ أبي الطيّبِ من الغموضِ والتشكيكِ والنّقاشِ ، وليسو أقلَّ منهُ في هذا شأناً .
- التعقيدُ في شعرِ أبي تمّامٍ موجودٌ ، كما أنَّ أبا الطيّبِ في هذا لهُ نصيبٌ وافرٌ وكبيرٌ ، ومدرسةُ أبي الطيّبِ في التركيبِ وتوليدِ المعاني وصناعةِ اللفظِ هي مدرسةُ أبي تمّامٍ ، ولو كانَ أبو تمّامٍ يستحقُّ المؤاخذةَ على ساقطِ شعرهِ ، أو أن يُغضَّ من قدرهِ لبعضِ التكلّفِ الحاصلِ فيهِ ، فإنَّ أبا الطيّبِ في هذا لا يقلُّ عنهُ ، بل إنَّ الساقطَ في شعرِ أبي الطيّبِ والمعاني المبتذلةِ أحياناً تُشعرُ القارئ بالنفورِ الشديدِ ، وقد جمعَ ذلكَ الجرجانيُّ وابنُ الأثيرِ وغيرُهم .
لقد كانَ أبا تمّامٍ شاعراً عظيماً ، أبدعَ وابتكرَ المعاني وأحسنَ في صنعةِ اللفظِ وجلبِ المُحسناتِ البديعيّةِ الرائقةِ ، ويكفيهِ فخراً أنّهُ أخمدَ في زمانهِ 500 شاعرٍ مُجيدٍ ، وهو القائلُ :
بيُمنِ أبي إسحاقَ طالتْ يدُ الهُدى ...... وقامتْ قناةُ الدينِ واشتدَّ كاهلهْ
هو البحرُ من أيِّ النّواحي أتيتهُ ...... فلُجّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلهْ
تعوّدَ بسطَ الكفِّ حتى لو انّهُ ..... دعاها لقبضٍ لم تُطعْهُ أناملهْ
وقولهُ :
فإن يكنْ وصبٌ قاسيتَ سورتهُ ..... فالوِردُ حلفٌ لليثِ الغابةِ الأضمِ
إنَّ الرّياحَ إذا ما أعصفتْ قصفتْ ..... عيدانَ نجدٍ ولم يعبأنَ بالرتمِ
بناتُ نعشٍ ونعشٌ لا كسوفَ لها ..... والشمسُ والبدرُ منها الدهرُ في الرقمِ
فلْيهنكَ الأجرُ والنّعمى التي سبغتْ ..... حتّى جلتْ صدأ الصّمصامةِ الخذمِ
قد يُنعمُ اللهُ بالبلوى وإن عظمتْ ...... ويبتلي اللهُ بعضَ القومِ بالنِّعمِ
وقولهُ :
يا أيّها الملكُ النّائي برؤيتهِ ..... وجودهُ لمُراعي جودهِ كثبُ
ليسَ الحِجابُ بمُقصٍ عنكَ لي أملاً ...... إنَّ السماءَ تُرجّي حينَ تحتجبُ
وقولهُ :
وإذا أرادَ اللهُ نشرَ فضيلةٍ ..... طويتْ أتاحَ لها لِسانَ حسودِ
لولا اشتعالُ النّارِ فيما جاورتْ ..... ما كانَ يُعرفُ طيبُ عرفِ العودِ
وقولهُ : أقولُ وقد قالوا استراحتْ لموتِها ..... من الكربِ ، روحُ الموتِ شرٌّ من الكربِ
لقد نزلتْ ضنكاً من اللحدِ والثرى ...... ولو كانَ رحبَ الذراعِ ما كانَ بالّرحبِ
وكنتُ أرجّي القربَ وهي بعيدةٌ ..... فقد نُقلتْ بعدي عن القربِ والبعدِ
لها منزلٌ تحتَ الثرى وعهِدتها ..... لها منزلٌ بينَ الجوانحِ والقلبِ
وغيرها الكثير والكثيرُ جداً ، حتّى قالَ عنهُ ابنُ الأثيرِ : ولم يوجدْ في متأخّري الشعراءِ من يقعُ موقعَ أبي تمّامٍ في توليد المعاني وابتكارِها وتفرّدهِ في ذلكَ ، وفي ترجمةِ المُتنبّي أنّهُ كانَ يُسافرُ ومعه ديوانا أبي تمّامٍ والبُحتري ، فأخذَ منهما كثيراً ، حتّى إنَّ أبا العلاءِ حينَ سُئلَ عن الشعراءِ الثلاثةِ قالَ : أبو تمّامٍ والمُتنبّي حكيمانِ ، وإنّما الشاعرُ البُحتريُّ .
ولو أردتَ الوقوفَ على ما يُعابُ بهِ شعرُ أبي الطيّبِ فنظرْ في الوساطةِ وفي المثلِ السائرِ ، لترى كم كانَ عصيّاً في الصياغةِ عسِراً في التوليدِ مُتكلّفاً في الصنعةِ ، وهو حالٌ تعتريهِ كما يعتريهُ الرشاقةُ والعذوبةُ ، وعلى كلِّ الأحوالِ فهما على نبوغِهما سقطا في التكلّفِ والتقعّرِ والمعاضلةِ ، وذكرَ ابنُ الأثيرِ أنَّ المعاضلةِ كثيرةٌ جداً في شعرِ أبي الطيّبِ ، وهذا بلا شكِّ من العيوبِ في الشعرِ .
لعلَّ لي عودةً فيما بعدُ لمواصلةِ الحديثِ عن بعضِ ما تضمّنهُ كلامُ أخينا الغيمِ ، والمعذرة على ما بها من خطأ وتصحيفٍ - إن وجدَ - فلا وقتَ عندي الآن لمراجعتِها .
...........
اتمنى يعجبكم
- "~.. Ĵŋǒộʼn* Ħaţǒộяy..~"محقق مميز
آلجنسَ :
مسآهمآتي : 1287
آلعمُر : 27
تَقييـَمي : 17
بلدًي : مدينة اوساكا ( منزل هاتوري )
آلشخصية آلمفضلةة :
آلأوسمةة :
رد: سر الخلود في شعر المتنبي
الخميس أبريل 12, 2012 3:59 am
مشكووورة يّ قلبي..
ع الموضوع الرووووعة..
واصلي ولا تفاصلي..
يّ الغلا..
تقبلي مروري..
ع الموضوع الرووووعة..
واصلي ولا تفاصلي..
يّ الغلا..
تقبلي مروري..
- ღ..RAN MORI..ღمحقق مميز
- آلجنسَ :
مسآهمآتي : 1327
تَقييـَمي : 27
بلدًي : القصيم ياعيني عليها
رد: سر الخلود في شعر المتنبي
الخميس أبريل 12, 2012 5:31 am
العفوووووو ياعسولةة
- ♩Manal ♚'إدَارَةَ المُنتدَى ..ْ}
آلجنسَ :
مسآهمآتي : 6019
تَقييـَمي : 119
بلدًي : Saudi Arabia
آلشخصية آلمفضلةة :
آلأوسمةة :
رد: سر الخلود في شعر المتنبي
الخميس أبريل 12, 2012 5:52 am
وعليكمم السسلآإم ورحمةة الله وبركآتة ..
مآششاء الله عليكِ موضوع بجد روعةة
مبدعةة واصصلي خيتو ..
موفقةة
مآششاء الله عليكِ موضوع بجد روعةة
مبدعةة واصصلي خيتو ..
موفقةة
- ღ..RAN MORI..ღمحقق مميز
- آلجنسَ :
مسآهمآتي : 1327
تَقييـَمي : 27
بلدًي : القصيم ياعيني عليها
رد: سر الخلود في شعر المتنبي
الخميس أبريل 12, 2012 7:50 am
روووووووووووووعةة بردك يالغلاآأإ
يااااااارب ويااااك
يااااااارب ويااااك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى